هل الحكومة جزء من المشكلة أم كل المشكلة؟

هل الحكومة جزء من المشكلة أم كل المشكلة؟

بعض المشكلات تخلد للكسل ويصبح انعاكسها السبلي على الناس أقل حدة ما لم تتنبه لها الحكومة بفعل النشر أو الإضاءة عليها وما يحمله ذلك من إشارات إلى مسبباتها أو حتى افتراضات سبل حلها.

في السنوات الأخير كان يمكن لكثير من المشكلات أن تبقى ضمن الوضع الطبيعي غير المقلق لولا أن تدخلت الحكومة بأجهزتها المختلفة لمحاولة حلها، ونقول محاولة حلها، ذلك لأن الحلول التي تقدمها الحكومة لمعظم المشكلات غالباً ما تأتي على شكل إعادة شرح أو تفسير أسبابها، وربط تلك الأسباب بعوامل خارجة عن إرادتها، وأحياناً تذهب باتجاه شرعنة المشكلة، أو ضبطها بقرارات وإجراءات إدارية واستنسابية، ما يفاقم الشعور بها وبثقل حجمها!.

لم تكن كلمة رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس تحت قبة البرلمان في جلسة يوم الاثنين الفائت "الاستثنائية" سوى دليل على هذا النوع من التدخلات، وبدت كـمحاولة يائسة لتضخيم الجهد الحكومي المبذول للإبقاء على حالة (شبه حياة - شبه اقتصاد - شبه خدمات - شبه رواتب - شبه دعم) مقابل تضخيم الصعوبات التي تواجههم في ذلك، هذا التضخيم والتضخيم المضاد، طرحه الرجل عبر مجموعة أمثلة ليقول إن حكومته دائماً كانت أمام خيارات ليست صعبة وحسب إنما متناقضة أيضاً، وبالتالي فإن فرص النجاح في أي منها تكاد تكون معدومة (معادلات مستحيلة الحل).

الحكومة منذ بداية هذا العام جربت الانقلاب التدريجي على إجراءاتها السابقة، لكن البطء الشديد في هذا الانقلاب جعل البلاد تدفع ثمناً مضاعفاً بسب الاعتماد على الإجراء ونقيضه في نفس الوقت!

في المثال المتعلق بسعر الصرف مثلاً، ذهب رئيس الحكومة للاعتراف -ربما لأول مرة- بأن حكومته عندما لجأت منذ سنوات لخيار لجم انهيار سعر صرف الليرة كانت مدركة أن إجراءاتها في سبيل ذلك غير اقتصادية وستساهم بخسارة الإنتاج!، طبعاً كان من المتوقع أو المفترض أن تلك الاجراءات مؤقتة، لكن استمرارها لسنوات خنق الانتاج ولم يساعد على حماية الليرة، إلا إذا كانت الحكومة تعتقد أن سعر الصرف الحالي مقبولاً، مقارنة مع السعر الذي كانت ستصل إليه الليرة في حال اتخذت الاجراء المعاكس المتمثل بتبني سياسة الانتاج وتخفيف القيود حسب تعبير رئيس الحكومة!.

اليوم الحكومة ربما تجد نفسها مضطرة للتوجه نحو تجريب إجراءات نقيضة لما اتبعته في السنوات الثلاث الماضية على المستوى الاقتصادي، هذا بالطبع سيفاقم المشكلة، ليس لأن الاجراءات المعاكسة غير صحيحة وإنما لأنها ستأتي متأخرة جداً، عموماً الحكومة منذ بداية هذا العام جربت الانقلاب التدريجي على إجراءاتها السابقة، لكن البطء الشديد في هذا الانقلاب جعل البلاد تدفع ثمناً مضاعفاً بسب الاعتماد على الإجراء ونقيضه في نفس الوقت.

مرونة المركزي لم تكن كافية لمنافسة السوق الموازية  وخاصة في الشهريين الماضيين، فحاد جزء كبير من الحوالات الخارجية عن القنوات الرسمية

مثلاً عندما سمحت الحكومة لشركات الصرافة شراء "دولار الحوالات" وفق نشرة رسمية يصدرها المصرف المركزي يومياً بسعر قريب من سعر السوق الموازية، تسببت بزيادة المعروض من العملة المحلية (فعملية الشراء لم يقابلها عملية بيع)، كما أن مرونة المركزي لم تكن كافية لمنافسة السوق الموازية  وخاصة في الشهريين الماضيين، فحاد جزء كبير من الحوالات الخارجية عن القنوات الرسمية.

كما أن إعادة ضبط عمل "منصة تمويل المستوردات" التي أحدثت ضمن خيارات تقييد السيولة وترشيد الاستيراد، بعد إصدار القرار 970 الذي أنهى العمل بالقرار 1070 لعام 2021، سيسمح للمستوردين بالاعتماد على مصادرهم الذاتية لتمويل مستورداتهم، في حين أن العقوبات المشددة التي حملها القانون رقم 3 للعام 2020 الخاص بمنع التعامل بغير الليرة ما يزال سارياً، وهذا الوضع سيكون غير جدير بالثقة بالنسبة لقطاع الأعمال ما لم تحدد الحكومة موقفها النهائي منه.

بطبيعة الحال ووسط هذا التخبط سينتظر الشارع ما ستقره اللجنة التي خلصت إليها "الجلسة الاستثنائية" المشكلة من الحكومة وأعضاء مجلس الشعب لاجتراح حلول للواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب والمعقد الذي لم يعد يحتمل التجريب، والواضح أن الغلبة في هذه اللجنة ستكون للحكومة لجهة أنها وربما لأول مرة تعرف ماذا تريد على الأقل لجهة أنها عازمة على تحميل السلطة التشريعية جزء من مسؤلية القرارات غير الشعبية التي ستتخذها، وأيضاً تقاسم مسؤولية فشلها.. إن فشلت لا سمح الله!..

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني