إنجازات تحصيل حاصل!

إنجازات تحصيل حاصل!

لدي صديق لبناني متزوج من سورية، وبحكم ارتباطه بعمل في لبنان، وعمل آخر بدمشق، فإنه وسطياً يسافر في الأسبوع الواحد مرتين، أي أنه يدخل الحدود في الشهر ثماني مرات، هذا الصديق بحكم تقديرات وزارة السياحة يمثل 88 زائراً خلال 11 شهرا، و96 في السنة!، وهو غير معني ببرامج وزارة السياحة الترويجية، ولا خططها التسويقية، الرجل يأتي وينام في بيته الذي هو بيت زوجته، فهما يملكان منزلاً بدمشق منذ أن تزوجا، صديقي لم يحقق ولا ليلة فندقية، إذا ما تشاجر مع زوجته ينام في مكتبه أو عند أحد أصدقائه وأحيانا يستقل سيارته ويغادر إلى بيروت بكل بساطة.

في الحقيقة لا أعلم بالضبط النسبة التي تمثلها الحالات التي تشبه حالة صديقي، من إجمالي عدد القادمين العرب إلى القطر، وليس مطلوب من وزارة السياحة تحديد هذه النوعية من السياح!، هل فعلاً يمكن أن أسمي صديقي سائحاً؟!، سألته مرة بحكم أنه متزوج من مواطنة سورية، هل تضطر لتصريف 100 دولار على الحدود؟، أخبرني أن هذا الشرط (شرط الدخول) لا ينطبق سوى على السوريين، لذلك هو لا يصطحب زوجته السورية معه في سفرياته الأسبوعية إلى لبنان، فقلت له ممازحاً: "حتى في هذه لم نتمكن منك؟".

من غير المنصف  اعتبار أن هذا القدوم إنجازاً، فالرقم (2 مليون) هو تحصيل حاصل فسوريا رغم ما مرت به ليست دولة هامشية على الخارطة

دعونا من صديقي اللبناني، أساساً ولا مرة تعاملت معه كمواطن أجنبي من دولة أخرى، ألا يكفي أن يكون متزوج من سيدة سورية ليكون سورياً حتى العظم؟، إنما أردت من ذكر هذا الصديق لاعتقادي أنه يصلح لأن يكون مدخلاً مناسباً لمحاكمة بعض أرقام الحكومة في القدوم السياحي، فالسياحة تقول إن نحو مليوني سائح دخلوا البلاد خلال 11 شهر من العام 2023 الفائت، هو رقم كبير ومبشر على حد توصيف مسؤولي الوزارة، وقد يبدو ضئيلاً إذا ما قورن ببلدان مجاورة تعتبر نفسها دولاً سياحية، تخيلوا أن مدينة اسطنبول التركية لوحدها استقبلت خلال 11 شهر من العام المنصرم أكثر من 16 مليون زائر أجنبي، بينما دبي استقبلت أكثر من 13 مليوناً خلال 10 أشهر، ومصر تخطط لاستقبال 30 مليون سائح بحلول العام 2028، أي ضعف العدد الذي حققته خلال العام 2023 الفائت، "لبنان" الدولة التي شفطت بنوكها ودائع اللبنانيين والعرب وتعاني أزمات اقتصادية مركبة استقبلت خلال أشهر الصيف نحو مليون ونصف المليون سائح، من بينهم زوجة صديقي اللبناني، فقد علمت أنها أجبرته على اصطحابها إلى لبنان مرة واحدة.

صحيح أنه من المجحف مقارنة الواقع السياحي بسورية لجهة عدد القادمين ببلدان أخرى، لكن من غير المنصف أيضاً اعتبار أن هذا القدوم إنجازاً، فالرقم (2 مليون) هو تحصيل حاصل، بالنسبة لسورية، بمعنى أننا لو استبعدنا كل جهود "السياحة" وخططها الترويجية وبرامجها التسويقية، سنحصل على عدد قدوم قريب من هذا الرقم، فسوريا رغم ما مرت به ليست دولة هامشية على الخارطة.

تضخيم الارقام يأتي في ظل إغفال تراجع سعر صرف الليرة السورية رسمياً من 3015 ليرة مقايل الدولار نهاية العام 2022 إلى 12700 ليرة نهاية العام 2023

تقريباً يمكن قياس ذلك وأقصد (تضخيم الإنجازات) على جميع الوزارات، التي تولت ماكيناتها الاعلامية نهاية هذا العام -كما كل العام- نشرها وترويجها، وتلقتها وسائل الاعلام الرسمية والخاصة كهدية آخر السنة، دون التدقيق فيها ومحاكمتها، وعليه أصبحت أرباح مؤسسات وزارة الصناعة (كل المعامل) المقدرة بنحو 250 مليار ليرة من اجمالي رقم مبيعات بلغ 2772 مليار طفرة لم نكن نحلم بها، وبدا تطور أرباح فنادق وزارة السياحة من 11 مليار في العام 2022 إلى نحو 28 ملياراً في العام 2023 قفزة مهولة بنسبة 145 %، طبعاً ذلك في حال تعمدنا إغفال تراجع سعر صرف الليرة السورية رسمياً من 3015 ليرة مقابل الدولار نهاية العام 2022 إلى 12700 ليرة نهاية العام 2023!.

على كل حال تبدو مؤشرات التعافي في مختلف القطاعات متواضعة خلال العام 2023، ونشر بانوراما الانجازات على تلك الشاكلة، لن يكون له ذلك الأثر عند عموم السوريين، هذا إذا اعتبرنا أن الرأي العام هو المستهدف من النشر، فالمواطن لن يعترف بالانجازات ما لم تنعكس على معيشته بشكل واضح، فزيادة القدوم السياحي يفترض أن يسهم في استقرار سعر الصرف على أقل تقدير، وانتعاش القطاعات الانتاجية (الزراعية والصناعية) يفترض أن يزيح شبح ارتفاع الاسعار عن كاهل المستهلك، وجهود وزارة الكهرباء وشريكتها وزارة النفط يفترض أن تُخفض ساعات التقنين وتؤمن الدفء، عدا ذلك لا يمكن إقناع أحد أن العام  2023 كان أفضل من العام الذي سبقه.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني