غياب التسويق الزراعي الفعال في الساحل .. مشكلة الأمس واليوم
تلعب الأنشطة التسويقية دوراَ مهماَ يتجلى بإيصال المنتجات الزراعية من المنتج إلى المستهلك النهائي, وينطوي على ذلك خلق منفعة مكانية عن طريق النقل, وزمانية عن طريق التخزين, وشكلية بالتصنيع وتغير الشكل . ويعتبر النشاط التسويقي أحد أهم الأنشطة الاقتصادية. ويرى عدد من الاقتصاديين أن الإنتاج هو المشكلة الرئيسية في الدول النامية، حيث أن إنتاج السلعة كفيل بتوزيعها، خاصة في ظروف ندرة المعروض من السلع، هذه المقولة لم تعد صحيحة خاصة بالنسبة للمنتجات الزراعية التي تضاعف إنتاجها كثيراَ بفضل التطور العلمي والتقني.
وتزداد أهمية التسويق الزراعي في البلدان النامية حيث تسعى جاهدة لحل مشكلة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي, كما وجهت الجهود التنموية باتجاه زيادة الإنتاج مما خلق فائضا كبير في بعضها عجزت أجهزتها المحلية عن تصريفه, وانعكس سلباَ على العملية الإنتاجية, ونتج عن ذلك تدني الأسعار وتحمل المزارعين خسائر جسيمة.
عملية التسويق الزراعي في الساحل السوري لم ترق بشكل مواز للتطور الحاصل في الإنتاج مما خلق عدم توازن بين الإنتاج والتسويق, وهذا انعكس بدوره على شكل تدني كبير في الأسعار, مما سبب خسائر كبيرة, وقد يقول البعض ان اسعار الخضار والفواكه كبيرة ولكن إذا ما قورنت بالتكاليف واسعار الصرف فهي لا تتجاوز سعر الكلفة الحقيقي (متضمنا" كلفة العمل ) في كثير من الاحيان.
الدراسات الاقتصادية الخاصة بعملية التسويق الزراعي قليلة جداَ, خصوصاَ فيما يتعلق بتسويق المحاصيل الزراعية في الساحل السوري, رغم الحاجة الملحة والمتنامية لها والتي يأتي في مقدمتها حل إشكاليات فائض الإنتاج, ونقل المزارعين من حالة الخسارة إلى حالة الربح, وما ينتج عن ذلك من تحسين لمستوى حياتهم اقتصادياَ واجتماعياَ.
وبشكل عام لا توجد آلية محددة للتسويق الزراعي في الساحل السوري بالنسبة للزراعات المحمية, بل توجد مسارات تسويقية متعددة, قد ينتقل بينها المزارع نفسه في الموسم, أو يغير ضمن نفس المسار مع تبديل أطرافه.
ولمعرفة الغبن الذي يلحق بالمزارع يكفي تحليل عملية التسويق ودراستها من كافة جوانبها لنعرف ان المزارع قد قام بالوظائف الفيزيائية ( النقل), والوظائف التيسيرية (الفرز والتعبئة والتمويل والتدريج ), بينما قام التاجر فقط بإجراء الوظائف التبادلية ( بيع وشراء ), وتحمل المزارع المخاطر في حال تخلف المستوردين الخارجيين عن السداد حيث لن يسدد التاجر القيمة له . والفارقة الاكبر ان المزارع قد قام بإجراء الوظائف التسويقية دون مقابل, بينما يتقاضى التاجر في سوق الهال كمسيون ( 2.5 – 5 ) % وأيضا هامش ربح يقدر عادة وسطياَ بنحو ( 10% ) .
إن غياب السياسة أو الاستراتيجية التسويقية الواضحة في سورية في الوقت الراهن له آثار سلبية كبيرة أهمها ضعف المعرفة بالأسواق التي ستصدر إليها ,وبالتالي قد يلاقي المنتج قبولاَ من المستهلكين, وقد لا يلاقي , وهنا يتحمل المصدر وبالتالي المزارع خسائر كبيرة .أيضا" إن غياب الشركات المتخصصة في مجال التعبئة والتغليف يقلل من المقدرة التنافسية للمنتج السوري ومثال على ذلك التفاح, ففي سورية يعبأ التفاح المعد للسوق المحلي في صناديق بلاستيكية أو فلين أو خشب أحيانا سعتها ( 15 كغ للفلين و 8 كغ للبلاستيك و2كغ), أما التفاح المعد للتصدير فيعبأ في عبوات بلاستيكية سعتها 5 – 8 كغ, ويتم فرزه لاستبعاد الثمار غير السليمة فقط. أما التفاح اللبناني يتم فرزه واستبعاد الثمار غير السليمة ومن ثم تعبئة الثمار المتماثلة الحجوم في عبوات سعة /5/ كغ بعد تغليف كل ثمرة بورقة ملساء ومن ثم طرحها في الأسواق, وفي هذه الحالة يتجه المستهلك حتى السوري إلى التفاح اللبناني ذو التغليف الأنيق ويحجم عن التفاح السوري الذي قد يكون أحياناَ اكثر جودة منه وقس على ذلك بالنسبة لبقية المحاصيل .
إن نجاح عملية التسويق لمنتجات الساحل السوري وخاصة المحمية منها يتطلب نجاح عملية التصدير وهذا يتطلب بالضرورة وجود شركات فاعلة لها فروع في البلدان المصدر إليها تتمكن من دراسة الأسواق وتحديد مواصفات المنتج المرغوب فيه والأوقات التي تستطيع دخول الأسواق إليها ومن ثم تقوم بنقل هذه المعلومات إلى المنتجين المتعاملين معها ليكيفوا أنفسهم وإنتاجهم وفق متطلبات الأسواق الخارجية, كما يجب أن تكون تلك الشركات على درجة كبيرة من المقدرة المادية ( سيارات مبردة – مخازن مبردة – خطوط توضيب وفرز ....... ) , ولكن في سورية حتى الآن تعتبر الخطوات المتخذة من قبل القطاعين العام والخاص خجولة تقتصر على بعض التجار المحليين أو الأجانب يقومون بشراء المحاصيل الزراعية واعادة فرزها وتوضيبها بشكل بدائي ومن ثم نقلها بالشاحنات المبردة الى بلدان أخرى.