زوايا بلديةٌ من "خِرجِ" الوطن

زوايا بلديةٌ من "خِرجِ" الوطن

المشهد | حسن فخور

هممتُ الصعودَ إلى حافلةِ النقلِ الداخليِّ ككلِ أبناءِ الطبقةِ الكادحةِ التي تأبى المرورَ أمامَ "التاكسي" وتتحاشى اختلاسَ النظرِ إليها، بل نركضُ ونتدافعُ لحجزِ زاويةٍ ما نسترُ فيها جيوبَنا الممزقةِ في ظلِ غيابِ "السرافيس" المتبقيةِ في دمشقَ عن خطوطِها في أوقاتِ الذروةِ؛ لانشغالها بعقودٍ غيرِ رسميةِ مع طلابِ المدارسِ.

حصلتُ على زاويتي الخاصةِ؛ حملتُ جواليَّ وتصفحتُ ال"فيس بوك" بينما الحافلةُ تحتشدُ بالأشقياءِ، يرتبُنا المعاونُ كما ترتبُ أميَّ "المكدوس" داخلَ "القطرميز" بل كما ترتبُ الخضارَ المخللةَ داخلَ القواريرِ البلاستيكيةِ.

بينما أتابعُ آخرَ أخبارِ العشاقِ والكتَّابِ من روادِ "فيس بوك" وأبحثُ عن آخرِ القراراتِ التي تعظُنا بها الحكومةُ على مدارِ الساعةِ وخاصةً في آواخرِ الليلِ _اللهُ وحدهُ يعلمُ السرَ في ذلكَ؛ والحكومةُ أيضاً_ تعالتْ أصواتُ المعاونِ مع امرأتين افترشتا إحدى الزوايا طلبَ منهما الوقوفَ؛ لأنَ تلكَ الزاويةَ تتسعُ لعشرِ أشخاصٍ واقفينَ والحافلةَ ليستْ "تاكسي" كي يجلسَ الركابُ كما يحلو لهم، أكملَ حديثَهُ هذا وهو يوبخُ عجوزاً جلسَ على مدخلِ الجزءِ الخلفي من الحافلةِ؛ هاجمتهُ المرأةُ بحججِها فلملم أذيالَ خيبتِهِ ومضى يحشرُ الناسَ في الحافلةِ حتى كادَ يلتوي عموديَّ الفقريِّ.

امتلأتْ الحافلةُ وراحتْ تناطحُ الطرقَ المعبدةَ بالسياراتِ وتسابقُ الوقتَ على أغانٍ من "صرعاتِ" القرنِ الواحدِ والعشرينِ ونحنُ نتمايلُ على أنغامِ فراملِ السائقِ، تعالتْ أصواتُ شابٍ ييحثُ عن "جزدانِهِ" بين الركابِ سرعانَ ما تحولَ الموقفُ إلى تراشقٍ بالشتائمِ واشتباكاتٍ بالأيدي.

بحثتُ سريعاً في "فيس بوك" مصدرُ الأخبارِ الأولِ في يومنا هذا عن قرارٍ حكوميٍ يحاولُ تحسينَ مزاجيتِنا ويخففُ من حدةِ عداوتِنا للبلادِ والحياةِ فيها كإصلاحِ أكوامِ حافلاتِ النقلِ المعطلةِ المرميةِ في مرآبِ مديريةِ النقلِ التي حدثني سائقٌ عنها ذاتَ يومٍ أو ضبطِ الأسعارِ ومحاسبةِ الفاسدين، فلمْ أجدْ سوى قراراتٍ بإزالةِ الأكشاكِ التي تعتاش منها العديدُ من العائلاتِ والتي تزينُ شوراعَ كبارِ العواصمِ الأوروبيةِ وارتفاعِ نسبةِ الضرائبِ ومنشوراتٍ تتحدثُ عن ارتفاعِ أسعارِ الزيتِ رغمَ استقرارِ سعرِ "الفستقِ الأخضرِ الأمريكي" وأعطالٍ في محولاتِ الكهرباءِ ومضخاتِ المياهِ وانتشارِ الجرائمِ والجهلِ والفقرِ والمرضِ والانتصارِ والصمودِ وصورةٍ للراحلِ "حسن دكاك" تزينُ صفحاتِ السوريين من إحدى حلقاتٍ سلسلةِ "مرايا" بكرشهِ الذي يشبهُ خزائنَ الكثيرِ من المسؤوليينَ وقميصَهُ الشيالِ الذي يشبهُ حالَ البيوتِ السوريةِ وبضحكةٍ تشبهُ ضحكاتِ الشارعِ السوريِّ اليومَ وبصوتٍ ما زالَ يترددُ في أصداءِ المجالسِِ السوريةِ: سيدي.. حط بالخرج.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر