السادة وزارة التجارة!

السادة وزارة التجارة!

ربما علينا أن نُذكِّر وزارة التجارة الداخلية أن مسح الأمن الغذائي الأخير، والذي أجرته هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الغذاء العالمي، خلص إلى نتائج  خطيرة جداً، كان أبرزها ما يتعلق بتصنيف الأسر السورية تبعاً لدرجة الحرمان من الغذاء.
المسح أظهر الآتي يا سادة..
 إن 30.7% من الأسر الواقعة في دائرة الحرمان الغذائي تصنف على أنها الأكثر حرماناً لتكرار اضطرارها لعدم تناول الطعام لأكثر من 10 مرات في الشهر السابق لتنفيذ المسح.
إن 33.7% من الأسر تصنف على أنها متوسطة الحرمان الغذائي لتكرر عدم تمكنها من الحصول على الغذاء من 3 إلى 10 مرات خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح.
أما الأسر التي صنفت على أنها نادرة الحرمان الغذائي، فقد شكلت نسبتها حوالي 36% والسبب تكرر عدم تمكنها من الحصول على الغذاء لمرة واحدة أو مرتين خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح.
ومن دون أدنى شك، فإن نسب الأسر التي تعاني حرماناً غذائياً شديداً أو متوسطاً، قد زادت خلال الأشهر المنصرمة من العام الحالي، لأسباب عدة، من أهمها فشل وزارتكم في تنفيذ العديد من المهام الموكلة إليها كضبط مخالفات الأسواق، التدخل الإيجابي الفعلي والمؤثر في الأسواق، ضمان تدفق السلع والمنتجات إلى الأسواق، والحد من عمليات الاحتكار والغش وغيرها.
لهذا، فإن قرار تحديد مخصصات الفرد من مادة الخبز ليس بالأمر السهل أو عبارة عن عملية "نحزير"، فهو إما أن يزيد من معاناة مواطنين كثر في تأمين الحد الأدنى لاحتياجاتهم من الغذاء وتالياً زيادة نقمتهم وغضبهم، أو أنه قد يسهم في طمأنة الناس وتبديد مخاوفهم..
والسؤال الذي نوجهه إليكم ... هل أخذت وزارتكم بعين الاعتبار مثل هذه النسب وغيرها عندما حددت مخصصات الفرد والأسرة من مادة الخبز المدعوم وفق ما هو متداول حالياً؟
أكثر من ذلك... ما هي البيانات والمؤشرات الإحصائية التي استند عليها موظفو وزارتكم في تحديد تلك المخصصات؟
منذ فترة تواصلتُ مع أحد باحثي مسح الأمن الغذائي، وسألته إن كانوا خلال تنفيذ المسح قد حاولوا الوقوف على حجم استهلاك الفرد أو الأسرة الواحدة من مادة الخبز العادي، فأجابني أن استمارة المسح لم تتضمن مثل هذا التفصيل.... إذاً على ماذا اعتمدت وزارة التجارة الداخلية في قرارها الأخير الذي أثار  هذه الموجة من الغضب الشعبي؟
ليس هناك من مؤشر في هذا الخصوص سوى ما تضمنه مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2009، والذي أشار بوضوح إلى متوسط استهلاك الفرد من الخبز العادي يبلغ حوالي 14.4 كغ شهرياً، أي ما يقرب من  13 ربطة شهرياً (وزن الربطة 1100 غرام)...
لكن بعد 12 عاماً... هل لا يزال متوسط استهلاك الفرد هو نفسه؟
جميع المؤشرات تقول إن استهلاك الفرد من مادة الخبز العادي قد زاد للأسباب التالية:
-تدهور المستوى المعيشي للسوريين خلال سنوات الحرب بشكل كبير جداً، وما نجم عنه من عادات غذائية جديدة كتقليص عدد وجبات الطعام اليومية، محدودية السلع الغذائية المتاحة، الاعتماد على الخبز كوسيلة للشبع.
-زيادة الفارق بين سعر الخبز السياحي وسعر الخبز المدعوم، إلى مستويات جعلت معظم الأسر عاجزة عن شراء الخبز السياحي، والاتجاه تالياً إلى تأمين احتياجاتها من الخبز العادي المدعوم.
-دخول الأطفال كمستهلكين أساسيين للمادة بفعل عدم تمكن أسرهم من شراء المواد الغذائية المعتادة سابقاً في مثل أعمارهم.
ربما كان من الأجدى لوزارة التجارة الداخلية لو أنها استعانت منذ البداية بخبرة بعض الكفاءات الوطنية، وتحديد تلك التي شاركت بإنجاز  وتنفيذ مسوح الأمن الغذائي الأربع التي تمت خلال الفترة الممتدة من العام 2015 ولغاية 2020. فعلى الأقل كانت المخصصات ستكون أقرب إلى الواقع... فضلاً عن تجنب الضجة الشعبية التي حصلت مؤخراً. 
مشاهدات شخصية:
مشهد1: على مدار الأشهر الماضية، وبحكم وجود أحد الأصدقاء المشرفين على توزيع مادة الخبز في إحدى المناطق، كنت شاهداً على حوادث مليئة بالحزن لسوريين من مختلف الأعمار ينتظرون حتى ساعات الفجر الأولى.. ومع ذلك لا يحصل بعضهم على مخصصاتهم اليومية رغم كل التصريحات الحكومية "التجميلية"!
مشهد2: خلال عطلة عيد الأضحى كانت أسر كثيرة تترجى معتمداً هنا ومعتمداً هناك للحصول على ربطة خبز لتطعم أطفالها.... والسبب نقص مخصصات المعتمدين المسلمة لهم من قبل بعض المخابز والأفران!
مشهد3: نعم، إن بعض كميات الخبز تذهب علفاً للحيوانات، لأن هذه هي غايتها الأساسية عند إنتاجها، بدليل أن هناك مخابزاً تنتج خبزاً جيداً وأخرى تنتج خبزاً سيئاً.... أي أن المواطن ليس من يتحمل مسؤولية تحول الخبز إلى علف للحيوانات!
مشهد4: وجود هدر في استهلاك المادة من قبل بعض الأسر لا يعالج بخفض الكميات من دون تمييز، وإنما يعالج بتغيير ثقافة الاستهلاك السائدة واستبدالها بثقافة استهلاك جديدة وفقاً للظروف المعيشية السائدة.
هامش:
الحرمان: هو عدم امتلاك أو استخدام أو التمتع بالأشياء الأساسية التي يحتاجها الإنسان للعيش المريح.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني