على باب مأوى العجزة: أين تركتموني؟ أنا أمكم!
-
ميساء رزق - 2020/12/07
- 1009
تتراءى لي خيالات ذلك الوجه المجعد وتلك العينين الصغيرتين النصف مغمضتين التائهتين المستفسرتين والخائفتين...أتخيل ذلك الجسد الصغير الهزيل الذي تقلص بفعل السنين وقصرت قامته فمن رحمه خرج ثمانية أولاد وبضع إسقاطات بينهم..عكازها لم يعد يقو على حملها ويدا ابنها وابنتها تسنداها لتلقياها بأيد أناس غرباء ومأوى يضم أمثالها ممن ثقلت بهم أحمال أبنائهم...
ثمانون عاماً ونيف كانت فيها الأم والأب وكان لنظرتها لغة يفهمها الجميع...تعلمت القراءة والكتابة لتجاريهم ودرست الألف باء مع أصغرهم ونجحت...تعبت وربت وعلمت وزوجت...ولم يمنعها عمرها من السفر لمنزل أي من بناتها وأبنائها لتساعد في تربية الأحفاد...
ثمانون عاماً استنزفت فيها كل قدراتها وطاقتها وحتى وعيها الذي كانت تتفاخر وأبناؤها به..
كان بيتها الصغير يحمل دفئ ورحابة الكون بأسره وهي تجلس بفخار فالأبناء والأحفاد يملؤون الدار ..
مرت السنون وهزل الجسد وجف الحليب وقطعت الشجرة التي كانت تجمع الكل تحتها..والبيت العتيق أصبح خرابة وهجره سكانه عبر البحار مخلفين كوم لحم وذكريات عشش فيها الشوك والجرذان..
وهي..ضاعت وتقاذفتها الظروف فصغارها هجروا العش ومنهم من سافر ومرض وقسى وتجبر وأنكر وتعب وتململ وووو
اتخيلها جالسة هناك..في ركن مظلم تمسح دموعها وتضع الأعذار أو تستفسر عن أسباب القسوة:أهو العمر؟ ..أهو العجز؟..أهو النكران؟ ولكن بالمقابل هناك العناية الإلهية، هناك الدين والوفا،هناك الجريمة والعقاب،هناك سيسقى كل ساقٍ بما سقى.
وأنت.. لا تخافي فلربما من احتضنوك كانوا عليك أحن..
ولكن بالمحصلة ما هكذا كان الاتفاق ولا هذه هي الخاتمة التي كنا ننتظرها..
أنت ..نامي قريرة العين فقد أتممت واجبك..وأنتم يا من ظلمتموها إن كنتم على حق أغمضوا أعينكم وناموا
