السيدة فيروز والرئيس ماكرون من كرّم من؟

أن يكون للسيدة فيروز هذا القدر من الاهتمام من شخصية سياسية  كالرئيس الفرنسي ماكرون، فهذا يبهجنا جميعاً نحن محبو ومتابعو هذه الفنانة العظيمة الشأن، وبغض النظر عن من هو ماكرون كرمز للكولونيالية والاستعمار الجديد، وهو الذي  قرر تكريم السيدة العظيمة في ذكرى قيام لبنان الكبير الذي فصلته فرنسا الاستعمارية عن سورية الكبرى.

دعونا نُحيّد تكريم ماكرون  عن بعده  السياسي هذا، فالتكريم  هو للوزن والبعد الرمزي للفن وقيمته وتأثيره، ولكن لابد من تذكر أنه قبل تكريم ماكرون لفيروز  كان تكريمها مجسداً في كل لحظة مع مئات الملايين من محبي الأسطورة التي كان لنا حظ العيش في زمانها، فقد أعطتنا من دون أن نعلم أو ببعض علمنا قيمة وذائقة وإحساس ربما وجّه حياتنا وساهم في بناء منظومتنا الأخلاقية والفنية والثقافية، بشكل غير مباشر.

 من يريد تكريمي فليأت إلى بيتي، هذا ماقالته فيروز لمبعوث ماكرون الذي أراد ترتيب استقبالها وتكريمها  في  قصر الصنوبر، وما كان من ماكرون إلا النزول عند رغبتها، ماهي القوة و الرمزية التي جعلت رئيس دولة كفرنسا يقبل بشرط  فيروز؟ على حين أن كل ممثلي القوى السياسية اللبنانية استدعاهم ماكرون إلى السفارة برمزيتها الوصائية. هذا  مايسمى بالقوة الناعمة  التي تملكها الشعوب والدول من بين ما تملكه من عناصر القوة. القوة الناعمة التي لانقيم نحن العرب أي قيمة ولا وزن لها، بدليل أن كل عناصر القوة الناعمة عندنا والتي يمثلها فنانون ومفكرون وشعراء هي قيد الحفظ ضد مجهول، وربما قامت حكوماتنا بتكريم بعض رموز هذه القوة الفتاكة، ولكن كان يمكن لعنصر هذه  القوة الكامنة  فيما لو قدر واستخدمت في مكانها  سبباً للتأثير وسنداً لعناصر القوة الأخرى إن توفرت.

 البولشوي والأدب الروسي موسيقى الروك سينما هوليود .فنانو ومفكرو وأدباء عصر النهضة، السينما والدراما المصرية والفنانون والأدباء المصريين. الدراما السورية في مرحلة ما وبعض فنانيها. شخصيات فنية وأدبية مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني.كل هذه  نماذج للقوة الناعمة .     

 بالعودة إلى فيروز ورمزيتها كنموذج  للقوة الناعمة، تلك القوة التي تجعل ماكرون في موضوع فيروز وغيره من الزعماء، يحجون  إلى منزل فنانة اختارت مؤخرا أن تلزم بيتها تنتظر ماتبقى من حياتها، لاتقيم وزناً ربما لما يحدث خارج أسواره.

مايزال المستوى الرسمي في كل مكان تقريباً لايقيم  وزناً لأنواع الفنون والآداب بأنواعها  إلا من باب رفع العتب والإحراج، لذلك ترى وفي معظم أرجاء الدنيا عباقرة في الفنون والآداب نسيتهم حكوماتهم إلى أن  قدّرهم أخرون ربما بمحض الصدفة. ولا يكتسب معنى الفن والثقافة كبير شأن في تقييم الجهات الرسمية على حين يتبوأ رجال السياسة والاقتصاد وربما الرياضيون( ميسي تلقى عرضاً بنصف مليار دولار في السنة من أحد النوادي) بعض  سلم أولويات المتابعة الرسمية، إلا أن تجربة المجتمعات أعطت نتائج غاية في الوضوح في موضوع  قيمة الفن والثقافة وتأثيرهما الهائل في التقدير والتأثير.

يمكننا في هذا المجال تتبع بوصلة عموم الجماهير واهتماماتها حتى نعرف ونميز أين هي القوة الناعمة.

مبروك لفيروز التكريم، ولاندري في الحقيقة من كرّم من؟ فماكرون بالنهاية شخصية سياسية ثانوية من حيث الأهمية في عالم اليوم.