مؤسسات سورية يتيمة

مؤسسات سورية يتيمة

في الماضي غير البعيد برزت أسماء كبيرة ومهمة للعديد من المؤسسات السورية العريقة، التي مثلت سورية الدولة وكانت أيقونات يعتز السوريون بها، مؤسسات خلقت عشرات الآلاف من فرص العمل، وراكمت خبرات وطوّرت كوادر بمعايير عالمية، حققت هذه المؤسسات إنجازات كبيرة وكرّست أنماط إنتاج وتقديم خدمات حيوية، وأقامت بنية أساسية، وبنت أسماء ريادية وملهمة.
 هذه المؤسسات أنقذت سورية في حصار الثمانينات وأسست لمنتج محلي ناجح، ولكن للأسف تحوّلت اليوم إلى كيانات قزمة وفاشلة وبعضها تم الغاؤه تحت حجج وسياسات اقتصادية ليبرالية أثبتت فشلها، وبعض هذه المؤسسات قضى عليها الاستزلام والهيمنة من قبل أشخاص أو مراكز قوة تجارية وصناعية.
على سبيل المثال لا الحصر نذكر المؤسسة السورية للطيران" الطيران السورية"، التي تحوّلت إلى خيال مؤسسة، بعد أن كانت تقدم خدماتها لأكثر من 48 وجهة في العالم فضلاً عن الرحلات داخل سورية  قبل أن تندلع الحرب على سورية في آذار/مارس عام 2011، وكانت مهامها القيام بكافة عمليات النقل الجوي داخل الجمهورية العربية السورية وخارجها، طبقاً للقواعد المقررة في الاتفاقيات الدولية والقوانين النافذة.
 بعد أن أعطى رئيس مجلس الوزراء تفويضاً للوزارات والمؤسسات بلامركزية التصرف والقرار إذا كان ذلك من ضمن مسؤولياتها، توقعنا أن تنهض هذه المؤسسة بكوادرها وإدارتها لتعيد ترميم نفسها وتلمس مستقبلها كشركة ولكننا على العكس من ذلك لاحظنا أن إدارة هذه المؤسسة ما تزال تتم من مكتب وزير النقل.
 
لانعرف  لصالح من يجري تهميش هذه المؤسسة، فإذا تم تحضير رحلة إلى الهند أو الإمارات أو "الصومال"،  يتخذ القرار من وزارة النقل! متى كانت هذه المؤسسة تأخذ أوامر رحلاتها وبعض إجراءاتها الداخلية، التي هي من صلب عملها كمؤسسة ومن صلب حقوقها من وزارة النقل؟ ولماذا يوجد مدير لها  يأخذ رواتب وله مسمى وظيفي ومكتب ومساعدين ومدراء إدارة للأقسام المختلفة ؟ لماذا يجري تهميش دور المؤسسات ومركزة القرار، ولماذا لا يمكن لها الدفاع عن دورها ووظيفتها وملكياتها وخبراتها وأصولها ولماذا يتم الاستفادة منها، لصالح شركات أخرى، لماذا يجري أكل حقوقها من كيانات خاصة؟ أين هيبة المؤسسة السورية للطيران؟

رأينا مؤخراً بعض الوزراء أثناء استجوابهم أمام مجلس الشعب لا يعرفون مايجري في وزاراتهم، ولا يملكون خبرة التحدث عن شؤون وزاراتهم، فكيف يكلفون بالإشراف وتسيير شؤون يومية لمؤسسات تملك تاريخ من الخبرة الإدارية والخبرات المجربة.
هناك عشرات المؤسسات الكبيرة التي جرى تهميشها وتقليص دورها الإيجابي والفعال.
 تاميكو مثال آخر، هذه الشركة التي تعمل بطاقة منخفضة اليوم وهي  التي كانت تؤمن حاجات سورية الأساسية من الأدوية، هاهي تقلع مجدداً وتأخذ دورها الكبير في الصناعة الدوائية السورية، وتوّرد آلاف الاطنان من الأدوية لكل المحافظات السورية.  ولكنها ماتزال بحاجة للمساندة والتطوير.
ما يقال هنا عن المؤسسات التي سبق ذكرها ينطبق يضاً على المؤسسة العامة للسكر،  التي كانت تؤمن منتجاً حيوياً يوفر على الدولة استيراد السكر بالقطع الأجنبي، والمطلوب اليوم إعادة الحياة لهذا الشركة التي تحل الكثير من المشكلات التي نواجهها اليوم في مجال توفير العديد من المنتجات في مقدمتها السكر الذي نستورده بالعملة الصعبة ومن الواضح أن كلف عمليتي استيراد من الخارج تكفي لإقلاع الشركة مجدداً.
كانت خطة المؤسسة العامة للسكر، منذ 2015 الحصول على 416 ألف طن من الشوندر لتقوم بتشغيل، معمل سكر سلحب، إلا أن هذا الرقم بدا غير واقعي، وذهب مع الريح، خاصة أن إنتاج الشوندر ذلك العام انخفض إلى قرابة 100 ألف طن بالتتالي منذ عام 2013 علماً أن الحد الأدنى لتشغيل المعمل هو 300 ألف طن.. وذلك بسبب عزوف المزارعين عن الانتاج وبسبب التكلفة العالية للاسمدة والمازوت والنقل، وانخفاض سعر الشراء من أرض الإنتاج. كما قامت الحكومة  بوقف استيراد السكر الأحمر لاحقاً، بسبب سياسات غير مدروسة.
كان من الأجدى توظيف القطع الأجنبي في دعم زراعة الشوندر ومستلزمات انتاجه بدلاً من استيراد السكر الأبيض من الأسواق العالمية في ظروف هي الأسوأ بالنسبة لسورية.
مايحكى عن السكر ينطبق على مؤسسة إكثار البذار والقطن، هذا المنتج الاستراتيجي وينطبق على التبغ ومؤسسة " الريجي" هذا الاسم. الشهير الذي ارتبط بازدهار صناعة وإنتاج التبغ.

مايحكى عن هذه المؤسسات يحكى أيضا عن مؤسسة الإسكان العسكرية التي لعبت دوراً مهماً في تطوير البنية التحتية السورية ولها دور كبير في إطلاق العديد من مشاريع التنمية الاقتصادية في سورية. أين إمكاناتها اليوم؟
هذا كله يجعل من المؤسسات الناجحة تاريخياً والتي تعد من استراتيجيات قوة الدولة واكتفائها واعتمادها على نفسها ضرورة ملحة ومصلحة حيوية، في زمن الحصار وقانون قيصر وعلينا إعادة الاعتبار لها ودعمها بدلاً من صرف مبالغ طائلة على اعتماد بدائل منتجاتها من الخارج.
لماذا لا تمنح هذه المؤسسات قروضاً متفق عليها، خاصة وأن لدى المصارف العامة والخاصة في سورية سيولة مجمدة بالمليارات تفقد قيمتها في كل يوم تتأخر عن تمويل مثل هذه الشركات وغيرها من الفعاليات الاقتصادية بدلاً من تمويل شركات ريعية تسهم في إفقار البلد.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر