الليرة المسكينة، والحكومة المسكونة!

الليرة المسكينة، والحكومة المسكونة!

يوسف أحمد سعد

بغض النظر عن صواب التوجه, أفهمتنا حكوماتنا من نعومة أظفارنا أن الليرة هي أحد الرموز السيادية, وأن كرامة الوطن من كرامة الليرة,
ومع أنني كتبت كثيراً منذ حوالي عقدين ما يعارض هذه الفكرة شكلاً ومضموناَ, بمعنى أن كرامة الليرة ليست بما تعادله من العملات الأجنبية بل بالطريق الذي تسلكه لتكون في المصارف أو في جيوب المواطنين, وأن قيمة العملة لا تعبر عن قوة الاقتصاد وضربت مثالاً حينها أن القيمة الأكبر للدينار الأردني تجاه الدولار لا تعني أن الاقتصاد الأردني هو أقوى من الاقتصاد الأمريكي.

وأن الاقتصاد الحقيقي ينزع إلى خفض قيمة العملة الوطنية لتعزيز القدرات التنافسية للمنتجات ونذكر بأن أهم هواجس ومطالب واشنطن أن تتمكن من رفع قيمة العملة الصينية تجاه الدولار في حين أن الصين تعمد على تخفيض قيمة الايوان الصيني .. والحديث عن حرب العملات يطول.

أريد القول أن السياسة النقدية السورية منذ أربعة عقود على الأقل لم تكن في وارد دعم الاقتصاد المنتج, بل كانت دوماً تصب في مصلحة الاقتصاد الريعي ومصالح المستوردين وكانت دوماً تشكل عقبة جدية في وجه المنتجين والعاملين في التصدير.

هذا الأمر أدى تراكمياً إلى تدهور الحالة الإنتاجية ونمو حالة الحاجة للاستيراد, وتلقائياً فإن ذلك خلق حالة من الرعب تجاه أي انخفاض في قيمة الليرة وأصبحت قوتها هي الضمان لاستقرار أسعار الحاجات الأساسية للناس, وداعم لرضاهم عن الحكومة.

ولأنه اقتصاد تم تصميمه عمداً -أو قصوراً- على الاستيراد القائم على استنزاف القطع الأجنبي من عائدات النفط والخامات, فإن الليرة كانت أول من ظهر عليه أعراض الأزمة أو الحرب الكونية –سمها ما شئت- وبدأت سلسلة الانهيارات المتسارعة وأصبحت الشغل الشاغل للحكومة, وبنفس الوقت أصبحت الشماعة المحببة لها, فلا بأس من الأداء الفاضح في كافة المجالات مقابل أن الحكومة تمكنت من الحفاظ على آخر كل انخفاض بقيمة الليرة لمدة ثلاثة أشهر أو أربعة, وعلينا أن ننظم قصائد المديح لقاء ذلك, والاعتراف بزيادة هيبتها بعد أن أصبحت الأوراق النقدية ممهورة بتوقيع رئيس مجلس الوزراء مع الحاكم بدلاً من توقيع وزير الاقتصاد, وأعتقد أن الوزير العمادي هو آخر وزير اقتصاد تشرف بالتوقيع على الأوراق النقدية.

هنا أود القول للحكومة التي ترى أن الليرة هي رمز سيادي وأحد عناوين الكرامة كيف تسمحون أن تكون الليرة وقيمتها أداة استغلال وسرقة وفساد من خلال شرائها من المستوردين بأعلى من قيمتها وبشكل فاضح في حين أنهم أي المستوردين-أحبابكم- يشترون منكم الدولار بأرخص الأسعار ويبيعونه بأعلى سعر- حتى بمفعول رجعي– أحياناً.

وكيف تسمحون لأنفسكم باستجداء ذات المستوردين والمستغلين واستعطافهم ليقوموا بفتات جيوبهم بدعم الليرة, وهو دعم مشكوك بجدواه فهنالك من يقول أنهم ذاتهم أوجدوا من آليات التحايل والفساد ما يجعلهم يجنون أرباحاً مضاعفة لقاء ذلك.

كيف يمكن لنا أن نصدق أنكم تؤمنون أن الليرة هي رمز سيادي في حين أنكم جعلتم مصيرها رهن إرادة أو عبث مجموعة مجتباة من رجال الأموال الذين لم يسمع المواطن بالعديد منهم منذ سنوات قليلة خلت.

أين سياستكم النقدية وأين خططكم وكيف تنازلتم عن دوركم لصالح بعض رجال الأموال أصحاب القروض المليارية؟
ألا يكفيكم مقتاً أننا عند أول أزمة في أسعار الصرف كنا ننتظر تدخل الدولة فيما أصبحنا ننتظر تدخل هؤلاء الأثرياء, وأصبحنا نراهن على "شهامتهم" ونعلم أنهم أقدر من الحكومة على التحكم بقيمة الليرة.

ماذا لو غير هؤلاء الأثرياء مزاجهم وولاءاتهم ونقلوا أموالهم وعائلاتهم ولم يتركوا في الوطن سوى ما تكرمتم لهم به من مرافقات وشوارع محظورة عن سواهم.
إنه تاريخ ومسيرة ليرة نظيفة, يشبه مسيرة مواطن كادح متفانٍ
إنها الليرة المسكينة .. إنها الحكومة المسكونة!

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر