الأجهزة الرقابية والضخامة السرطانية

الأجهزة الرقابية والضخامة السرطانية

مع ظهور علم الإدارة برز مفهوم الرقابة وكانت الغاية منه الكشف عن الإنحرافات أثناء تنفيذ الخطط ومعالجة التقصير ومكامن الخلل, ومع التطور ظهر مفهوم الرقابة الوقائيَّة التي تهدف إلى كشف الأخطاء والمخالفات قبل حدوثها ومنع حدوث الإنحرافات، فأين نحن في سورية من هذا كله؟

في الشكل نملك كل مقومات النجاح للعمل الرقابي: أجهزة رقابية متنوعة (الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الجهاز المركزي للرقابة المالية، هيئة مكافحة الفساد، الجمارك...)، قوانين صارمة لمكافحة الفساد والخلل ومكامن التقصير، جهاز إعلامي وبنية مجتمعيَّة صارمة لمواجهة الفساد.

في المضمون: هل استطاعت هذه الأجهزة تحقيق الأهداف المرجوَّة منها؟ قبل الإجابة على السؤال سنعرض بعض الصور التي تمهد للإجابة الصحيحة:
1- جميع قضايا الفساد التي نسمع بها في القطاع العام تكتشف بعد حدوثها بفترة طويلة وهذا يعني أن مبدأ الرقابة الوقائية غير محقق.
2- في كثير من القضايا التفتيشية وبعد الحجز الاحتياطي والضجَّة الإعلامية تثبت براءة المدير، ولكن بعد أن يكون خضع للتشهير والنظرة الاجتماعية المشبوهة وهذا دليل على وجود قصور في آلية عمل الأجهزة الرقابية.
3- تمنح القوانين المدراء العامين سلطات واسعة، وفي بعض الظروف يحتاج المدير العام إلى اتخاذ قرارات قد تحمل في طياتها بعض المخالفات لتأمين استمرارية المنشأة في ظل العقوبات الحالية، وبعد فترة من الزمن قد يلاحق هذا المدير وتهمل الظروف الاستثنائية التي كان يعمل بها.

وعليه يمكننا القول أن الأجهزة الرقابية لم تستطع تحقيق الغاية المرجوَّة منها ويعود ذلك برأينا إلى ما يلي:
1- غالبية القضايا في الهيئة المركزية مبنية على شكاوى مقدمة وبالتالي يغيب العمل العلمي المنظَّم في التطبيق.
2- الجهاز المركزي للرقابة الماليَّة عمله لاحق لتنفيذ العقود وبالتالي إن كان هناك خطأ سيقع الضرر لا محالة.
3- تغيب المعايير العلميَّة الدقيقة عن عمل الأجهزة وهذا ليس قصوراً في عمل الأجهزة الرقابيَّة فحسب بل قصور في وضع معايير وخطط دقيقة للجهات العامة - خصوصاً ذات الطابع الخدمي - تسهِّل تتبُّع عملها بشكل علمي ومنهجي.

إذاً ما السبيل لتفعيل عمل الأجهزة الرقابيَّة لتصبح أداةً فعالة في تحسين أداء المؤسسات الحكومية؟
برأينا هناك خطوات ضرورية بعضها ضمن الأجهزة الرقابية وبعضها الآخر ضمن الجهات العامة ومن هذه الخطوات المقترحة:
1- وضع خطط تعتمد على معايير علمية دقيقة وتربط بين حجم الإنتاج أو التنفيذ والموارد المستخدمة كالطاقة البشرية والوقود والموارد الأخرى، بحيث نصل في النهاية إلى معادلات رقميَّة تبين أنه عند إنتاج معين نستهلك كمية محددة من المواد وعدد العمال الضروري.
2- توضع هذه الخطط والمعايير من قبل خبراء أخصائيين مستقلين عن الجهات العامة انطلاقاً من الموارد المتاحة للجهة العامة فمن غير المنطقي أن تضع جهة عامَّة خطتها وتقيم تنفيذها، وهذا يفسر نسب التنفيذ التي تتجاوز 100% لبعض الجهات العامة وهذا أمر غير منطقي في علم الاقتصاد والإدارة.
3- تقوم الأجهزة الرقابيَّة بتدقيق عمل الجهات العامة بناءً على المعادلات الرقميَّة السابقة بحيث لا يغطَّى بجمل إنشائية وفي الجهات الخدمية يمكن اعتبار زمن تنفيذ الخدمة كمقياس.
4- إخضاع العقود التي تتجاوز قيمتها عشر ملايين ليرة لتصديق الجهاز المركزي للرقابة المالية للتأكد من سلامة الإجراءات بحيث نضمن وجود رقابة سابقة على العقد قبل وقوع الخطأ إن وجد.
5- تغيير مرجعية الأجهزة الرقابية بحيث تكون مرجعيتها مجلس الشعب أو رئاسة الجمهورية لضمان استقلاليتها وشفافيتها.
وبذلك نستطيع أن نحوِّل الأجهزة الرقابية إلى شريك فاعل في عملية الإصلاح الإداري والاقتصادي وعنصر رادع في مكافحة الفساد قبل وقوعه بدلاً من كونها أداةً تحقيقية غير فعالة في ظل التطورات التي تشهدها سوريا حالياً.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني