من المقايضة ... إلى العملة الرقمية البيتكوين

د. لمياء عاصي

المقايضة هي العملية الاقتصادية الأولى التي عرفها الإنسان منذ وجوده  , لأنه احتاجها للحفاظ على حياته  .. أما النقد أو العملة  فلم تظهر إلا  كوسيط  يجعل عملية  مقايضة السلع والخدمات أكثر سهولة ومرونة  ,  وقد يطرح بعض الناس الكتير من الأسئلة  مثلاً :  ...كيف بدأ الإنسان بتداول  العملة... ؟؟  ماهو تاريخ تداولها ...؟؟ كيف تحدَّدت قيمة عملة ما  ... ؟؟  وكيف تطورت  العملات  ؟؟ .
منذ بدء معرفتنا عن حباة الإنسان،كانت المقايضة  هي السائدة  مقابل السلع  المختلفة  لما فيها منفعة البائع والشاري ، وكانت  الثروة تُقاس بامتلاك الأبقار، أو الأغنام ، والماعز،  والجمال وغيرها ، ويجري تقييم البضاعة التي يُراد مقايضتها باستخدام  اللحم، أو الحيوانات، أو سلال الثمار أو الحبوب،  أو الأصداف البحرية في بعض المناطق الساحلية ...
ثم ظهرت  في الصين  أيضاً النقود المصنوعة من االمعادن  الخام في الفترة ، من 1000 إلى 600 قبل الميلاد ، أما المعادن النفيسة من الذهب، والفضة، فلم تستخدم سوى  في عام 700 قبل الميلاد ، في المناطق التي كانت تعرف وقتها بــ " ليديا " المسماة حديثاً بـ تركيا ، والمدن الساحلية في اليونان  أما في منطقة  بين النهرين فقد استخدمت الحبوب كأساس  في عملية المقايضة. أما العقد من الأصداف البيضاء التي كان يُطلق عليها اسم  وام بم wampum ، فقد استخدمها السكان الأصليين في أمريكا في عام 1637 الميلادي كوسيلة لتبادل البضائع .
النقود الأولى التي وثقت في 118 قبل الميلاد  فكانت النقود الجلدية , حيث كانت تقاس بقدم مربع من جلود الغزلان , أما النقود الورقية  فقد  ظهرت في الصين لأول مرة في عام 806  بعد الميلاد , ولكنها أصبحت مقبولة بعد مئة عام  تقريبا , على نطاق واسع في الصين , ثم اختفت العملة الورقية لعدة مئات من السنين  حتى عام  1455  حيث عادت إلى الظهور وتم التعامل بها من جديد.
في الولايات المتحدة أصدر الكونغرس قانون الدولار في عام 1785 ,  وتم إحداث الاحتياطي الفيدرالي المركزي وفي عام 1913 ,  وأعلن الذهب رسمياً كقيمة  لها معايير في انكلترا في عام  1816.
في عام 1971 , قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفك ارتباط الدولار الأمريكي  بالذهب حيث بقي الدولار مرتبطاً بالدولار بين عامي 1944-1973 حسب اتفاقية بريتون وودز، واعتباراً من تسعينات القرن الماضي أصبح الناس يتسوقون الكترونياً  وأصبحت المدفوعات تتم باستخدام الموبايل أو الرسائل النصية .
 من نافل القول، أن أهمية المال أو العملة  تأتي من فكرة قبولها من الجميع  , كوسيلة للدفع مقابل أي نوع من السلع أو الخدمات ..... ,  أما في العصر الرقمي , لدى الإنسان الآن , إمكانية الدفع الإلكتروني   باستخدام  هاتفه النقال  ( الموبايل ) , الذي  يوفر خيارات الدفع  بأي مكان وأي وقت , أما التطور الأبرز فقد حصل بتطوير العملة الرقمية  الكريبتوكرنسي  cryptocurrency   , العملة الجديدة  الرقمية  وأقواها (البيتكوين ) , الرقمية المعروفة حالياً التي اسماها واخترع نظامها  شخص غير معروف أطلق على نفسه اسم  Satoshi Nakamoto ساتوشي ناكاموتو , العملة الرقمية  البيتكوين  تعتمد على التشفير واللامركزية والتوثيق في قواعد بيانات، والسؤال الذي يشغل بال الكثيرين ...هل ستحل العملات الرقمية أو الافتراضية (virtual  ) محل العملات التقليدية ؟؟؟
المصارف المركزية في الدول الولايات المتحدة والصين وكندا وبريطانيا ...وغيرها من الدول , مازالت حذرة في السماح بتداول  وقبول العملات الرقمية، لأسباب كثيرة منها  : أنَّ هذه العملات لا تعتمد  المركزية  أي أن المصرف المركزي لا يملك السيطرة عليها، البنوك المركزية  لم تجر دراسة تأثيراتها و تداعياتها المحتملة بشكل كاف، مثلاً : السويد , قررت بأن تضع العملة الرقمية بالتداول جزئياً بجانب الكرون العملة الوطنية السويدية,  في محاولة منها لتجريب العملة الجديدة دون أن تجرؤ على الاستبدال الكلي , والسؤال الأهم هو أنه كيف سيتم تحديد قيمة العملة الرقمية  في أي بلد ؟؟؟
إن العملة الرقمية  تشبه إلى  حد كبير العملة التقليدية في تحديد قيمتها ،الأساس هو إنتاج أي بلد من السلع والخدمات والتقنيات خلال قترة زمنية محددة،أي الناتج المحلي الإجمالي سيبقى هو العامل الأساس الذي يحدد قيمة العملة الوطنية، وإن وجود العملات بأكثر من الإنتاج السلعي والمادي، سيزيد معدلات التضخم مما يؤدي إلى تنافص قدرة العملة  الشرائية .
 إن تطور تقنيات المعلومات، والاتصالات واستخداماتها يشي بأن السنوات القادمة، ستحمل معها تحولات مهمة  ,وستختفي شيئاً فشيئاً  النقود المادية ... ويحل مكانها  المجتمع اللا نقدي .